احتمالات مواجهة مصرية ـ أمريكية بشأن السودان؟

كان لافتا اعلان وزير الخارجية المصري أحمد ماهر في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره الكيني ستيفن ماسيوكا أن حكومة الخرطوم أبدت حسن النيات وان المطلوب التأثير على الدكتور جون قرنق زعيم الحركة الشعبية، مضيفا ان مصر على اتصال دائم بالحكومة السودانية التي أبدت رغبة في احراز تقدم، كما تجري اتصالات مع قرنق لحثه على تسهيل عملية المفاوضات. ويمكن ترجمة تصريحات ماهر بتصرف ان الحركة لا تتفاوض بحسن نية، وهي العبارة المستخدمة في قانون سلام السودان، الذي أجازه مجلسا النواب والشيوخ الأمريكيان العام الماضي ووقع عليه الرئيس جورج بوش وينتظر تفعيله في أكتوبر (تشرين الاول) المقبل.

واذا كان استخدام العبارة مقصودا أم لا وكذلك التوقيت، اذ تأتي قبل ستة أسابيع من الوقت الذي يفترض فيه أن يقوم الرئيس جورج بوش بتقديم تقرير الى الكونجرس يقيم فيه مسار عملية السلام والطرف المتسبب في تعثرها، فمن الواضح ان المرحلة التي وصل اليها الوضع في السودان ونذر الفشل التي تخيم على عملية المفاوضات الجارية حاليا يمكن أن تفتح الباب امام مواجهة مصرية ـ أمريكية بخصوص السودان.

قضية الحرب الأهلية في السودان، أصبحت قضية سياسية محلية بالنسبة للولايات المتحدة، ولهذا حصلت على اهتمام في مجلسي الشيوخ والنواب عبر عن نفسه بصدور قانون سلام السودان بصورة شبه اجماعية. والقانون موروث منذ أيام الادارة السابقة للرئيس بيل كلينتون، التي كانت تتبنى موقفا أقرب الى العمل على الاطاحة بالنظام في الخرطوم لكن بوش رأى اتباع أسلوب التعاطي الايجابي مع الحكومة السودانية والسعي لحل قضية الحرب سلميا عبر التفاوض، لكن وافقت في ذات الوقت على ابقاء العصا مرفوعة من خلال قانون سلام السودان، الذي يفرض على الرئيس تقديم تقرير كل ستة أشهر لتقييم الأوضاع وتحديد الطرف المتسبب في عدم ابرام اتفاق السلام.

وفي حال تحميل مسؤولية فشل المفاوضات للحكومة، فان القانون يقترح أربع عقوبات محددة عليها تتلخص في: استخدام النفوذ الأمريكي في المؤسسات المالية الدولية والاقليمية لمنع أي قروض أو خطوط ائتمان على السودان، تقليص أو تعليق العلاقات الديبلوماسية بين البلدين، اتخاذ الخطوات اللازمة لمنع الحكومة من استثمار عائدات النفط المالية لضمان الا تشتري السلاح بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وكذلك الطلب الى مجلس الأمن فرض حظر على توريد السلاح الى الحكومة السودانية.

ولضمان التنفيذ بصورة مؤسسية يطلب القانون من الرئيس تقديم خطة مفصلة في غضون 45 يوما لكيفية منع الانتفاع بعائدات النفط، كما يطلب من وزير الخارجية تقديم تقرير كل ستة أشهر حول تطورات صناعة النفط في السودان، مرافقها، عائداتها المالية وكيفية استخدامها.

القانون يخول للرئيس انفاق مبلغ 100 مليون دولار خلال الأعوام 2003، 2004 و2005 في المناطق التي لا تسيطر عليها الحكومة (أي تلك التي تقع تحت نفوذ الحركة الشعبية) وللعمل على بناء ادارة مدنية وتشجيع التحول الديمقراطي، كما انه اذا اتضح ان الحركة لا تتفاوض بحسن نية وانها المسؤولة عن تعثر المفاوضات، فكل ما يراه القانون بشأنها عدم تطبيق العقوبات على الحكومة.

من الواضح ان هناك تعاطفا من قبل الولايات المتحدة نحو الحركة، وفي حال تحميل الحكومة مسؤولية فشل المفاوضات، فان هذا التعاطف يمكن أن يتجاوز القانون الى تقديم دعم عسكري مباشر الى الحركة الشعبية أو غض الطرف، اضافة الى السعي الى استصدار قرار من مجلس الأمن لحظر السلاح عن الخرطوم، وهذا موقف لا تتحمله القاهرة لتخوفها من أن ينعكس على موازين القوى ويجعل يد الحركة الشعبية الأعلى عسكريا على حساب الحكومة المركزية، وهو ما تراه ماسا بأمن مصر القومي.

في العام 1995 جرت محاولة لاغتيال الرئيس حسني مبارك في أديس أبابا، واتهمت حكومة السودان بالضلوع في المحاولة بصورة ما، الأمر الذي أدى الى صدور قرار من مجلس الأمن في مطلع العام 1996 بفرض عقوبات على السودان تنتظر التغليظ عبر عقوبات اضافية تتضمن فيما تتضمن فرض حظر على تصدير السلاح، اذا لم تستجب الحكومة السودانية وتسلم المتهمين بتنفيذ محاولة الاغتيال.

لكن مصر التي استهدفت مباشرة من محاولة الاغتيال، رأت ان فرض حظر سلاح على الحكومة السودانية يمكن أن يخل بموازين القوى العسكرية، الأمر الذي دفعها الى الاعتراض على هذا البند، واسهمت تطورات سياسية لاحقة لتدفع بكل من مصر واثيوبيا تقديم رسالة الى مجلس الأمن في منتصف العام 2000 يطلبان فيها رفع العقوبات عن السودان.

واذا كانت مصر ولأسباب تتعلق بأمنها القومي، مهتمة بعدم الاخلال بالوضع العسكري ضد السلطة المركزية، حكومة السودان في هذه الحالة، لدرجة التغاضي عن محاولة اغتيال رئيسها، التي تعتبر بمثابة شن حرب مباشرة عليها، فمن باب أولى أن تعترض على المسعى الأمريكي لفرض عقوبات تشمل حظر السلاح على الحكومة السودانية، حتى وان كانت المسؤولة عن تعثر مفاوضات السلام.

وهذا ما يضع الاطار لاحتمال مواجهة مصرية - أمريكية ميدانها السودان، وربما لهذا السبب استبق ماهر الأمر باطلاق صفة التعنت على الحركة وكأنه يرسل رسالة الى واشنطون بضرورة مراعاة الهموم المصرية في هذا الشأن. في عالم السياسة الواقعي، فان الادارة الأمريكية لن تتصرف من منطلق مصالح مواطني جنوب السودان فقط، وانما من المتوقع أن تدخل حسابات كثيرة من بينها العامل الانتخابي والى أي مدى سيكون لقاعدة المسيحيين والأمريكان السود وجمعيات حقوق الانسان تأثير في القرار، ومع ان ايقاع الأجواء الانتخابية الرئاسية في تصاعد، الا انه يمكن لبوش الذي لا يزال يتمتع بشعبية عالية أن يقف في وجه هذا التيار، خاصة في الظروف التي تعيش فيها الولايات المتحدة واحساسها انها مهددة في أمنها، وهي أجواء تدفع الى مساندة الرئيس في العادة كونه رمز البلاد وقائد قواتها المسلحة.

ثم هناك الحساب الأمريكي لكيفية رؤيتها استهدافها نظاما عربيا اسلاميا في المنطقة وتأثير ذلك على موجة العداء الأمريكي المتنامية، التي يمكن أن تتغذى من حقيقة استهداف نظام ثالث بعد أفغانستان والعراق من قبل الادارة في غضون عامين والتطورات السلبية التي لا تزال تحيط بالوضع في العراق، وأهم من هذا العلاقة الثنائية مع مصر وهل تؤخذ في الحسبان أم يتخذ السودان ورقة ضغط للتغيير حتى في مصر نفسها، كما ينادي المحافظون الجدد، الذين يمكن أن توفر لهم هذه التطورات فرصة.

واذا كانت كل هذه تخضع لحسابات أمريكية داخلية بعضها انتخابي وبعضها استراتيجي لا تزال واشنطون نفسها منقسمة بشأنه، فان السؤال الذي يطرح نفسه على مصر وكل من الحكومة السودانية والحركة الشعبية اذا كان في امكانهم ترتيب البيت من الداخل بأيديهم قبل أن تفرض الحلول من الخارج